سورة فاطر

 


الاستسلام سبيل العزّة:

وتكمل سورة فاطر محور الاستسلام لله تعالى. فبعد أن رأينا في سورة سبأ أن الاستسلام لله هو سبيل بقاء الحضارات، تأتي سورة فاطر لتقول: بل أكثر من ذلك، فهو سبيل العزة والرفعة في الدنيا. فبعض الناس يعتقدون أن استسلامهم لرب العاملين وخضوعهم له هو مذلة وانتقاص من قدرهم، لكن السورة توضح أن العزة الحقيقية لا تأتي إلا من الله: [مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلله ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ] (10).

كيف لا تستسلم؟
ثم تنتقل السورة إلى ما هو أقوى من ذلك: كيف لا تستسلمون لله وأنتم فقراء إليه فقراً مطلقاًً، وهو الغني عنكم وعن العالمين: [يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱلله وَٱلله هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ & إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ & وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱلله بِعَزِيزٍ] (15 - 17).

والسورة ابتدأت أصلاً بذكر الملائكة، وأنهم رغم عظم خلقهم وقوتهم، خاضعون لله مستسلمون له في كل أمورهم [ٱلْحَمْدُ لله فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ] (1).

فاطر السماوات والأرض
فلماذا سميت السورة بأحد أسماء الله الحسنى، "فاطر"؟

إن سورة فاطر ترينا آيات الله في كونه، حتى نعرفه حق المعرفة، ونوقن أن العزة لله جميعاً، فنستسلم له ولا نخضع لسواه. فلماذا كان التركيز على اسم الله "فاطر"؟

إن مرادف كلمة "فاطر" هي كلمة "خالق". وفي اللغة، نقول "فطر الشيء" أي شقه إلى نصفين. لذلك فإن الآيات الكونية في السورة تركز على عظمة الله من خلال ازدواجية الكون:

[ٱلْحَمْدُ لله فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ & مَّا يَفْتَحِ ٱلله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ] (1-2)، [وَمَا يَسْتَوِى ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ] (12)، [أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلله أنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ & وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلأَنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ كَذَلِكَ] (27-28). وتأتي آيات أخرى بذكر الأضداد: [وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ & وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ & وَلاَ ٱلظّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ & وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَحْيَاء وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ...] (19-22).

وكأنها تقول لنا: من يستطيع أن يقيم الكون على هذه الأضداد إلا الله؟ فاخضعوا له واستسلموا لعظمته...

لذلك ترينا السورة في أكثر آياتها قدرة الله تعالى في الكون، حتى نعرف ربنا حق المعرفة ونوقن أن العزة لله جميعاً، ومنها قوله تعالى [إِنَّ ٱلله يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ] (41).