أم النكبات - د. أحمد نوفل

 

>> صفحات خاصة >> القضية الفلسطينية

1.يا أسفى على فقد فلسطين!

في ذكرى نكبة 48 لا بد من توقف، والتاريخ مستودع الخبرات ومعين العبر والعظات.

ومثلما قال يعقوب عليه السلام في نكبته بفقد ولده الثاني، قال: " يا أسفى على يوسف.."، ولم يذكر الفقيد الثاني، وإنما تذكر الفقيد الأول والمصاب الأول، فكأن المصاب الثاني نكأ المصاب الأول، ووقع النبل على موضع النبل، وتكسرت النصال على النصال..
أقول: مثلما قال يعقوب، نقول عند كل فقد جديد، وعند كل مصاب جديد: يا أسفى على فقد فلسطين سنة 48، باعتبار أن المصاب الأول جرّ المصائب الأخر، فكانت نكبة 48 أمّ النكبات، وأسّ البلاءات..

2- هل كان العرب يخططون للهزائم؟

لئن لم يكن العرب يخططون للهزيمة، فإنهم لم يكونوا يخططون للانتصار.
أما الفرضية الأولى، فهي موضع شك كبير. أعني أنهم لم يكونوا يخططون للهزيمة.. على كل حال، فإن العرب أخذوا بكل الأسباب التي تمكّن عدوهم من هزيمتهم، وأعطوه مقاتلهم، فالفرقة والاختلاف والتخلف، والدخول مع العدو في أحلاف ضد بعضهم، والارتجال، والتبعية للقوى الأجنبية، والولاء للأعداء، وصفقات الأسلحة الفاسدة، والإهمال، كل ذلك وصفات مضمونة لتحقيق الانهزام، أفمن يفعله تكون هزيمته محض صدفة، أم تقصير، أم تخطيط؟

3- هل أدمن العرب الهزائم؟

خاض العرب مع هذا العدو مواجهات، كلها كانت تبتديء بالارتجال، وتنتهي بمزيد من النكبات ومزيد من أراض تقع تحت قبضة الاحتلال، حتى أصاب العرب ما يشبه الإدمان. وصاروا كلما خاضوا مواجهة لم تنته إلا بالنهاية المعروفة، لا أريد أن أقول الحتمية، حتى لا نقع في الجبرية، لقد صار التنبؤ بتحركاتنا ونهاياتها منذ بداياتها أمراً ميسوراً بل مضموناً، وصار الرهان علينا رهاناً على خاسر عاثر.
هذا جرّ المنطقة إلى بئر اليأس، لأن بئر الحرمان من النصر، يصل بالأمة إلى بئر الإحباط والتردي في وهدة الاستيئاس.
وحتى حرب أكتوبر التي فاجأنا بها العدو، وحققنا بعض انتصار، أبت قيادة السادات إلا أن تنتهي المعركة بما يقارب الهزيمة أو هو هي.
وكل ذلك لارتباطاتنا الخارجية، وكما صرح السادات أنه متفق مع كيسنجر على أن لا يتجاوز الكيلو 14.

4- قضيتنا بعد ستة عقود:

أن يمر على نكبتنا ستة عقود، هذا بحد ذاته نكبة أخرى. وهذا مؤشر على أن الأمة لا تبذل أي مجهود، لا لاختصار زمن الصراع مع هذا العدو، ولا لإنجاز أية أهداف.
ولو سألنا أنفسنا: هل قضيتنا بعد كل هذه العقود تتقدم أو تتأخر؟ ولو كان الجواب بالإيجاب على كونها تتقدم وتتأخر، أتظنون ذلك عجيباً؟
هي على الصعيد الرسمي تتأخر، بلا أدنى ذرة ريب، ففي الوقت الذي كان يصطنع فيه عداوة الكيان، ويتظاهر فيه برفض السلام معه والتعايش، إذ بمعسكر الارتباط بالعدو، هو الأعلى صوتاً في العالم العربي، حتى بات المؤمن بالمواجهة بكتم إيمانه، كمؤمن آل فرعون، ويخشى التصريح، ويخاف التلميح، أو التلويح، لئلا يصيبه التجريح.
لقد آل الواقع إلى مرض، يعتبر مرض "الرجل المريض" بالنسبة إليه العافية التامة!
أما على صعيد الشعوب وحركات تنتسب إلى الجماهير، فإن الأمور على النقيض، إن الأمور على مستوى الجمهور تتحسن بشكل ملحوظ، فالظروف التي أخرجت الناس من بلادهم يتجرع الناس اليوم عشرات أضعافها قسوة وبطشاً وشدة، ومع هذا فإنهم لا يزدادون مع الشدة إلا تمسكاً بالبقاء في الأرض، والتشبث بنهج المقاومة!
على صعيد الشعوب بدأ إنجاز مشاريع مواجهة ناجحة! كان آخرها ما جرى قبل شهور في حرب غزة، لقد أنجزت المقاومة إنجازاً استراتيجياً، فوحدت الجماهير، وواجهت العدو والعملاء معاً، وصمدت وتحملت، واندحر العدو رغم كثافة النيران غير المعهودة عبر تاريخ الحروب.
هذا كله إنجاز يحسب لصالح مشروع المقاومة!

5- هل إلى خروج من سبيل؟

هل لهذه الأزمة من مخرج؟ هل لهذه العقدة من حل؟ والجواب بالقطع نعم. صحيح أن الصهيونية تحكم العالم، لكنها لن تحكم قوماً يوحدون الله ويعظمونه. قد تستعمر بلادهم ردحاً من الزمن، لكنها إن صممت اقتلعت شوكتهم. صحيح أن عدونا بمنتهى الشراسة، لكن عدونا كذلك في منتهى الهشاشة، والمخرج ليس مبادرات عربية تمكن للمحتل مما احتل ولا تأخذ من الحق شيئاً، اللهم إلا الاعتراف بضياع الحق!
واليوم يريد أوباما أو الشيخ أوباما، يريد مبادرة إسلامية.
مستر أوباما إنك تستطيع أن تقنع زعماء العالم الإسلامي، برمتهم، بطرح مبادرة أوهن من المباردة العربية وأكثر تنازلاً، ستجدهم بين يديك أطوع مما تتصور، لكن هل تملك القدرة أو الجرأة أن تطرح على الذين يتحكمون فيك وفي بلدك وفي العالم أن يقبلوا هذه المبادرة؟
الخروج من عنق الزجاجة، والانعتاق من مستنقع الهزائم قريب جد قريب، إنه الوصفة الإلهية لعافية الإنسانية من سرطان الصهيونية: المناعة والمقاومة.. ولتذهب المبادرات إلى حيث اقترح ليبرمان لمبارك.