رمضان (حكم وفوائد وسنن وآداب)

 

>> صفحات خاصة >> رمضان 2011

أولاً: حكم وفوائد الصيام:
1- الصوم عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه بترك محبوباته المجبول على محبتها من طعام وشراب ونكاح؛ لينال بذلك رضا ربه والفوز بدار كرامته، فيتبين بذلك إيثاره لمحبوبات ربه على محبوبات نفسه، وللدار الآخرة على الدنيا. 

2- وفي الصيام ممارسة ضبط النفس، والسيطرة عليها، والتحكم فيها، والأخذ بزمامها إلى ما فيه خيرها وسعادتها وفلاحها في العاجل والآجل، حتى يصبر المرء نفسه على فعل الطاعات وترك الشهوات.

3- ومن حكم الصيام: أنه سبب للتقوى، إذا قام الصائم بواجب صيامه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
فالصائم مأمور بتقوى الله – عز وجل – وهي امتثال أمره، واجتناب نهيه، وذلك هو المقصود الأعظم بالصيام، وليس المقصود تعذيب الصائم بترك الأكل والشراب والنكاح، قال النبي: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري].

4- من حكم الصيام: أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بالغنى، حيث إن الله تعالى قد يسر له الحصول على ما يشتهي من طعام وشراب ونكاح، مما أباح الله شرعًا، ويسره له قدرًا، فيشكر ربه على هذه النعمة، ويذكر أخاه الفقير الذي لا يتيسر له الحصول على ذلك، فيجود عليه بالصدقة والإحسان.

5- ومن حكم الصيام: ما يحصل من الفوائد الصحية الناتجة عن تقليل الطعام وإراحة الجهاز الهضمي فترة معينة، وترسب بعض الفضلات والرطوبات الضارة بالجسم وغير ذلك. [فصول في الصيام والتراويح والزكاة لابن عثيمين].

6- ومن فوائد الصيام: أنه يعود الإنسان الصبر والتحمل والجلد، لأنه يحمله على ترك مألوفاته، ومفارقة شهواته عن طواعية واختيار، وهو ما يعطي قوة للعاصي الذي ألف المعاصي على تركها والابتعاد عنها.

7- ومن فوائد الصيام: أنه يسهل على الصائم فعل الطاعات، وذلك ظاهرة من تسابق الصائمين في فعل الطاعات التي ربما كانوا يتكاسلون عنها، وتثقل عليهم في غير وقت الصيام.

8- ومن فوائد الصيام: أنه يرقق القلب ويلينه لذكر الله عز وجل، ويقطع عنه الشواغل.

9- ومن فوائد الصيام: أنه ربما يحدث في قلب العبد محبة للطاعات، وبغضًا للمعاصي بصفة مستمرة، فيكون منطلقًا إلى تصحيح مفاهيم الإنسان وسلوكه في الحياة. [إتحاف أهل الإيمان للفوزان].

10- ومن فوائد الصيام: أنه منهج رائع للتغيير، وطريق واضح للجندية، وهو يقوي الإرادة، وينشئ الأخلاق الرفيعة، ويحقق الاطمئنان النفسي، وهو مظهر عظيم من مظاهر وحدة الأمة الإسلامية. [الصيام أحكام وآداب للطيار].

12- ومن فوائد الصيام: اعتياد النظام ودقة المواعيد، مما يعالج فوضى الكثيرين لو عقلوا. [70 مسألة في الصيام للمنجد].

ثانيًا: آداب ومسنونات الصيام:
1- المبادرة بالفطر عند تحقق الغروب: لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [متفق عليه].
وعن مالك بن عامر قال : «دخلت أنا ومسروق على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقلت: يا أم المؤمنين! رجلان من أصحاب رسول الله أحدهما يعجل الإفطار، ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار، ويؤخر الصلاة. قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله بن مسعود. قالت كذا كان يصنع رسول الله » [رواه مسلم].

2- الفطر على رطب أو تمر أو ماء: فعن أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي يفطر قبل أن يصلى على رطبات، فإن لمن تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله، وانتفاع القوى به، ولا سيما القوة الباصرة، فإنها تقوى به. وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس، فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده». [زاد المعاد].

3- الدعاء عند الإفطار: اعلم أخي الصائم أن لك دعوة مستجابة عند فطرك، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» [رواه ابن ماجه والحاكم وصححه البوصيري].
فلتكن لك – أخي – دعوة صادقة عند فطرك في كل يوم من رمضان. واحرص على دعاء الإفطار الوارد عن رسول الله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي كان إذا أفطر قال: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله» [رواه أبو داود وحسنه الدارقطني].

4- تأخير السحور والحرص عليه: فعن أبي هريرة وابن مسعود أن النبي قال: «تسحروا فإن في السحور بركة» [متفق عليه].
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» [رواه مسلم].
وروى أنس رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: «تسحرنا مع النبي، ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية» [متفق عليه].
فاحرص يا أخي على أكلة السحور، ففيها مخالفة لأهل الكتاب، وفيها بركة وموافقة لسنة النبي، قال صلى الله عليه وسلم: «السحور أكلة بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين» [رواه أحمد].

5- كف اللسان والجوارح عن المحارم: ومن آداب الصيام: الاعتناء بكف اللسان عما لا خير فيه من الكلام، كالكذب والنميمة والغيبة والمشاتمة، وكل كلام قبيح، وكذا كف نفسه وبدنه عن سائر الشهوات والمحرمات، وهذا هو سر الصوم ومقصوده الأعظم، الذي به تحصل التقوى، ويقوى على التحفظ من الشيطان وأعوانه بإحكام أساس التقوى. قال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري].
قال المتولي: يجب على الصائم أن يصوم بعينه، فلا ينظر إلى ما لا يحل، وبسمعه، فلا يسمع ما لا يحل، وبلسانه فلا ينطق بفحش ولا شتم، ولا يغتاب، وهذه الأشياء وإن حرمت مطلقًا، ففي رمضان أشد تحريمًا.

6- تفطير الصائمين: إن الإسلام دين البر والإحسان والمواساة، ولهذا فقد حث النبي على تفطير الصائمين، فقال عليه الصلاة والسلام: «من فطر صائمًا فله مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء» [رواه أحمد والترمذي وصححه].
وقال بعض السلف: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعامًا يشتهونه أحب إلى من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل.
وكان كثير من السلف يؤثر غيره بفطوره، وربما بات طاويًا.
وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.

7- كثرة الصدقة والجود: فقد كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة فيدارسه القرآن، «فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة» [متفق عليه].
وأخرجه أحمد بزيادة في آخره: «لا يسأل عن شيء إلا أعطاه».
* ولم يكن جوده صلى الله عليه وسلم خاصًا بنوع من أنواع الجود، بل لم يزل منذ نشأ مجبولاً على بذل أنواع الجود من العلم والمال وغيرهما، حتى بذل نفسه لله في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال ما أمكنه من غايات النفع إليهم؛ من وعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل كلهم وأثقالهم.
قال الشافعي رحمه الله: أحب للرجل الزيادة بالجود في رمضان اقتداء برسول الله ، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرين منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.

8- كثرة تلاوة القرآن: يسن الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان؛ لأنه شهر القرآن كما قال سبحانه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].
* وكان جبريل عليه السلام يدارس النبي القرآن كل يوم في رمضان.
* وكان السلف يقدمون تلاوة القرآن في رمضان على كل عبادة.
* وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن في كل يوم في رمضان.
* وكان بعض السلف يختم كل ثلاث، وبعضهم كل سبع، وبعضهم كل عشر.
* وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

9- قيام الليل: يسن قيام الليل جماعة في رمضان، وهي صلاة التراويح، ووقتها من بعد العشاء إلى طلوع الفجر، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان حيث قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه].
فينبغي على الناس أن يحرصوا على إقامة صلاة التراويح ولا يضيعوها بالذهاب من مسجد إلى مسجد، فإن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، وإن نام بعد ذلك على فراشه.
ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات.

10- الاعتكاف: فقد كان النبي يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا. ويحتسب اشتغال المعتكف بذكر الله من صلاة وقراءة قرآن وذكر، واجتناب ما لا يعنيه، وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر؛ لأن المراد من الاعتكاف هو التفرغ لطاعة الله والبعد عن شؤون الدنيا من بيع وشراء وتجارة وغيرها.

11- تحري ليلة القدر: فقد حث النبي على تحري ليلة القدر فقال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [متفق عليه].
وكان النبي يعتكف في العشر الأواخر من رمضان تحريا لليلة القدر، ورغب في قيامها فقال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه]. وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار والتوبة إلى تعالى، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [رواه الترمذي وقال حسن صحيح].