فإن المؤمنين يَدخُلون الجنة بِرحمة أرحم الراحمين , كما 
      قال عليه الصلاة والسلام  : لن يُدْخِل أحدا منكم عَمَلُه الجنة.قالوا : ولا 
      أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة . رواه 
      البخاري ومسلم . 
  
  وتكون منازلهم في الجنة بِحسب أعمالهم ، كما قال تعالى عن أهل 
  الجنة : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ 
  تَعْمَلُونَ) .
  
  قال ابن عطية في تفسير الآية : ليس المعنى أن الأعمال 
  أوْجَبَتْ على الله إدخالهم الجنة ، وإنما المعنى أن حظوظهم منها على قدر أعمالهم 
  ، وأما نفس دخول الجنة وأن يكون من أهلها فَبِفَضْلِ الله وهُداه . اهـ . 
  
  
  وقال القرطبي في تفسير الآية: أي ورثتم منازلها بِعَمَلِكم ، 
  ودخولكم إياها برحمة الله وفضله . اهـ . 
  
  وقال ابن كثير في تفسير الآية: أي بسبب أعمالكم نالَتْكُم 
  الرحمة ، فدخلتم الجنة ، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم . اهـ . 
  
   
  
  فَمَن كُتِبتْ له منـزلة عالية في الجنة ، وعلِم الله أنه لا 
  يَبلُغها ولا يَصِل إلى تلك المنـزِلة بِعَمَلِه ابتلاه حتى تُرفَع درجاته بسبب 
  ذلك البلاء .
  
   وهذا مما يُهوّن على الإنسان ما يَلقاه من بلاء وشِدّة وضيق 
  ونحو ذلك .
  
   
  
  ويَهون بلاء الدنيا وشِدّتها إذا رأى الإنسان نتيجة صبرِه ، 
  ورأى ما أعدّ الله له ، ففي الحديث : يَوَدّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعْطَى 
  أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرِضَتْ في الدنيا بالمقاريض . رواه 
  الترمذي .
  
  وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال 
  رسول الله صلى الله عليه وسلم : يُؤتَى بأنْعَم أهل الدنيا من أهل النار يوم 
  القيامة ، فيُصْبَغ في النار صبغة ، ثم يُقال : يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل 
  مَرّ بِكَ نَعِيم قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ويُؤتَى بأشدّ الناس بُؤساً في 
  الدنيا من أهل الجنة ، فيُصْبَغ صبغة في الجنة ، فيُقال له : يا ابن آدم هل رأيت 
  بُؤساً قط ؟ هل مَرّ بِك شِدّة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ما مَرّ بي بؤس قط ، 
  ولا رأيت شدة قط . 
  
   
  
  فينسى أهل البلاء ما مرّ بهم في الدنيا من شِدّة وبؤس وفقرٍ 
  وجُوع وغير ذلك – يَنسون ذلك كله إذا ذاقوا نعيم الجنة لِلَحْظَة واحدة .
  
   
  
  فائدة :
  
  للإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله رسالة لطيفة بعنوان : " 
  الْمَحَجَّة في سَيرِ الدُّلْجَة " شرح حديث : " لن يُنجّي أحداً منكم عملُه " .